الوِلِف كتّال
تقول القصّة أنّ فتاةً دعت صديقتها لتناول الغداء معها في منزلها .. و أعدّت لها على المائدة سمكاً شهيّاً .. فأُعجِبت به الصديقة و طلبت منها أن تريها كيف أعدّته .. فبدأت الفتاة بالشرح موضحة أنّها تقوم بقطع رأس السمكة و ذيلها بدءاً .. ثمّ تلتها خطوات كانت معلومة مسبقاً بالنسبة للصديقة .. فتعجبّت الصديقة من الغرض المُراد بقطع الرأس و الذيل .. و سألت مستضيفتها عنه .. فأجابت أنّها لا تعلم .. فقط تعلّمت الأمر هكذا من والدتها .. و بسؤال الوالدة أجابت أنّها أيضاً لا تعلم .. فقط نُقِل إليها هكذا عن الجدّة .. و بسؤال الجدّة أجابت : ليس في الأمر سر .. فقط في ذلك الوقت كانت مقلاتنا صغيرة .. و لم تكن لتستوعب حجمة السمكة كاملاً .. فكُنّا نقوم بقطع الرأس و الذيل حتّى نتمكّن من الطهي على مقلاتنا الوحيدة !!
- لم يكن في الأمر سر - !!
القصّة أعلاه لتبسيط المعنى لا غير ..
كم من تصرفاتنا اليوميّة تأتي نقلاً عن سابقين بعد إكسابها قداسة "قطع الرأس و الذيل" ؟! .. دون محاولة لإدراك "اللا سر" وراء الأمر !
كم من تصرفاتنا اليوميّة تأتي نقلاً عن سابقين بعد إكسابها قداسة "قطع الرأس و الذيل" ؟! .. دون محاولة لإدراك "اللا سر" وراء الأمر !
نحنُ .. أنا و أنت و هو و هي .. تشكّلت ملامح دواخلنا بناءً على انصهار أزلي لعدد لا متناهي من الصور و الأصوات و الأسماء .. قد لا تتذكر كيف اكتسبت نطقك لحرف السين بتلك الطريقة المميّزة .. و قد لا تعلم أنّ معلِّمك في الابتدائيّة كان ينطقها كذلك .. و يبقى التقليد أوّل وسائل اكتساب الانسان للمعرفة ..
لكن ثمّة فارق .. بين من تركوا بصماتهم علينا لا إراديّاً .. قابلة للتنقيح و النقد الذاتي .. و بين من اخترنا أن نحمل فكرهم و نعلِّيه على صوت عقولنا .. و نكسبه دون أن ندري قدسيّة و مرجعيّة لا تقبل التفاوض و لا الشك .. فلا يتساءل "لِمَ" إلا من رحم ربي ..!
لكن ثمّة فارق .. بين من تركوا بصماتهم علينا لا إراديّاً .. قابلة للتنقيح و النقد الذاتي .. و بين من اخترنا أن نحمل فكرهم و نعلِّيه على صوت عقولنا .. و نكسبه دون أن ندري قدسيّة و مرجعيّة لا تقبل التفاوض و لا الشك .. فلا يتساءل "لِمَ" إلا من رحم ربي ..!
" الوِلِف كتّال " ..
هكذا عبّرت عاميتنا الثريّة عن الحكاية .. نعم أتّفق .. "الوِلف كتّال" .. يقتل فينا الابتكارية و الثقة بالجيل .. يجعل الحداثة تبدو انسلاخاً عن "أصل" .. و يؤصِّل لما قد ينفع و قد يضرّ بذات الوقت دون انتقائية ..
"الولف" .. يوقف التاريخ لدى محطّة معيّنة .. فتسير بنا الدنيا و تظلّ تلك المحطّة تشدّنا بعنف لا تقبل السير معنا .. لأنّنا نحنُ لم ندعها للمسير .. بل رضخنا للوقوف لديها هناك .. و أصبحنا "نحجُّ" إليها كلّ حين .. نُكابر في الرد على من يقول أنّنا أسرى قديمٍ لا يتجدّد .. لا نكذب لكنّنا "نجمِّله" بمسميات "الأصالة" و
"الما عندو قديم ما عندو جديد"
و "من نسى قديمو تاه " ..
من نسي قديمه لن يكون "التوهان" طريقه الحتمي .. لكنّ كلّ من أغفل "نفض" الغبار عن قديمه سيكون معرضاً حتما للاختناق و الفناء بأزمة فكريّة ..
و من قديم لديه قد يجد صعوبة في صنع جديد .. لكن من بقيَ لدى قديمه فسيكون جديده دوماً وجه آخر لذات العملة التي صكّها الأجداد ..
دون الختام :
قال تعالى : { وكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ } الزخرف 23-24
هذا ما عابه القرآن على الكفّار في الجاهلية .. قولهم " إنّا وجدنا آباءنا على أُمّة و إنّا على آثارهم مقتدون " ..
و نحنُ الآن نتشبّث بأُممٍ فانيات أو أشدّ ضلالاً ..
ختاماً :
يقولون : من لا يتجدّد يتبدّد ..
فاختر كفّتك التي تريد ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق