23‏/4‏/2012

.. سباق التتابع .. احمل أمانتك و اركض ..



حدّثني عن "سباق التتابُع" ..


تلك الرياضة ذات القِيم و المعاني المُكثّفة ..
و السباق يقوم على تكامُلِ الجهود .. فالمُتسابق الأوّل يركُض حاملاً الشارة إلى نقطة مُعيّنة ليتسلّمها منه المتسابق الذي يليه و ينتهي دور حاملها الأوّل و يتولاّها الثاني إلى نقطة تواجد الثالث الذي يوصلها بدوره إلى الرابع و هكذا ..
و في المرحلة الأخيرة يقوم المتسابق الأخير بتسليم الشارة إلى خطّ النهاية ..
ليفوز الفريق مجتمعاً ..!!


فالجُهد هنا مُتشارك .. و لا يستطيع أحد أن ينفرد بتحقيق الفوز وحيداً .. لكن كلّ فرد يستطيع الفخر باتقانه لمهمته و التسليم في الزمان الأنسب و اتِّباعه للطريقة المُثلى ..
و سباقُ التتابُع ليس فقط "تنفيذ" تلك المراحل المتتالية .. لكنّه أيضاً اختبار "الثقة" في الآخر ..

ثمّة آخر ينتظرُك الآن في نقطةٍ ما لتضع جُهدَك بين يديه آمناً مُطمئنّاً أنّه أهلٌ لبذلِ جُهِد المحافظة و يهدُف _كما هو هدفك_ للفوز .. ليس لنفسه فقط .. لكن لفوزك أنتَ أيضاً و فوز الفريق ..
و ثمّة آخر ائتمنَك الآن على مسيرٍ قطعه .. و أضحيت مسئولاً ليس فقط عن نفسك .. لكن عن الأمانةِ أيضاً ..!


و نحنُ حين نُوضَع تحت ضغطٍ مُعيّن لا نتصرّف فقط كتلك الآلة التي تُنجِز المطلوب .. لكنّ جهازنا العصبيّ بأكمله يتفاعل معنا إيجاباً أو سلباً .. طِبقاً لقابليتنا للتعامُل مع الضغوط و الأزمات ..

تبرز المشكلة عادةً إذا كان الضغط واقعاً على فريقٍ كامل و ليس فرداً وحيداً .. حين تختلف الاستجابات و تتخبّط أحياناً !
فالذين هم أثر اهتماماً و انفعالاً بالهدف يُظهِرون قدراً أكبراً من السعي .. و آخرون يُعادِلون كفّة الميزانِ بتخاذُلِهِم أو اتِّكالِهم .. و بعضٌ يصرُّ على الاستئثارِ بالمسار لأنّه لا يثق في مقدرةِ الآخرين على إدارة الأمر بطريقةٍ سويّة ..!
و الفِرقُ الحكيمة تتوقّف لدى هذه الظاهرة لتبحث داخلها من جديد عن روح الفريق و مهارات العمل داخله ..
و لِهذا يُعجِبُني سباقُ التتابع و سياسة خطّ الانتاج !
الإخلاص لموقعك فقط .. و الثقة أنّ الآخرين الآن في مكانٍ ما في الكرة الأرضية يُخلِصون لمواقعهم أيضاً .. فليس من الحكمة في شيء أن أعمل و أشغلني بالتفكير في آخر ما إذا كان يؤدي دوره أم لا !!


و تظلّ كلمة السر أن : قبل البدء .. تأكّد أنّ فريقك بقدرِ الثقة .. و اجعلهم يثقون بإمكانية الاعتماد عليك ..!
____

مخرج :
كانت ترسِمُ بالكلماتِ حلمها .. و تكتبُ اليوم قصّة هدفٍ سيتحقّق لها بإذنِ الله عندما يُخبرها جدولها الزمني أنّ المسار الذي اختطته لنفسها قبل أعوامٍ عديدة قد اكتمل .. و برفقتها شركاء أحلامها .. رفاق سباق التتابع الذي اختارته .. صديقتي التي تحلم و رفاقها باليوم الذي  تملأ فيه أسماءهم قائمة المائة الأكثر تأثيراً في العالم ..قالت ذات يوم : "اعطونا مكاناً لنقِف و سنحرِّك الكرة الأرضيّة" .. و لما أيقنَت أنّ القدرة على التحريك تكون بدءاً من القدرة على إيجاد مكان و اتخاذه تمكُّناً و اقتداراً ..

تحلم و رفاقها بلحظة احتضان واقع الحلم .. و تكتُب في وصف تلك اللحظة :

" همست ابتسام في أذنها: أتذكرين قائمة المئة؟! أتذكرين بم أجبتني يوم أخبرتك أن علينا أن نملأ القائمة بأسمائنا؟! ابتسمت آيات وقالت: نعم أجبتك: فلنملأ القائمة بأسمائنا!! كم كنت أتمنى أن تكون سمية هنا لترى الكرة الأرضية تتحرك !! ابتسمت ابتسام وقالت :إنها على الجانب الآخر منها ..تمسك طرفاً آخر لنتساعد معاً في تحريكها!!

.. بقعة ضوء ..





     
ألهو أمامه بصندوقٍ أسودٍ صغير .. لا شيء فيه مميّز سوى أنّه صندوق أسود وُضِعَ على أرضيةٍ بيضاء .. بعد دقائق قليلة يظهر تزايد اهتماه بالصندوق .. يحبو محاولاً الِإمساك به .. أسحب طرف الصندوق رويداً .. يحبو مجدّداً .. يتواصل تراجعي و إقدامه مسافة ستة أمتار بالتقريب .. أنتظر ان يرهقه الحبو فيتراجع عن محاولته بلوغ الصندوق .. عبثاً يأتي انتظاري .. يواصل الحبو و لا يعبأ بتزايُدِ العقبات التي أضعها في طريقه .. أسحب الصندوق في مسارٍ منحنٍ فيتبعه حبواً و لا يتوقّف .. في ذات المسار يلمع بالقرب منه شريط ملوّن .. يمسك به لبرهة فأظنّه تخلّى عن صندوقي الأسود و ركن للشريط الملون .. لكنّه ما يلبث أن يتركه و يعاود حبوه خلف الصندوق الذي أمسك به .. أترك له الصندوق الأسود فيبتسم في جزل و يضمّه بين كفيه الصغيرين .. بعد قليل أجده قد غادر المكان حبواً نحو شيءٍ لا أعلمه تاركاً صندوقه الأسود خلفه ..
---------
عزيمة للوصول تكلّفه حبواً لأمتارٍ تبدو قلائل بالنسبة لنا .. لكنّها جهدٌ مقدّرٌ بالنسبة لممكناته .. الصندوق الأسود يبدو "هدفاً" لا يُقبَل التراجع عنه ..
المسار المنحني كما عقبات الحياة .. لا يهمّه .. و يمضي ..
الشريط الملوّن كما الطرق / الأحلام الجانبيّة التي تعترض طريقنا فتشوِّش رؤيتنا للهدف الأصل و تُهدِّد تمسُّكنا به بنظرية النباتات الطفيلية التي تتقاسم الضوء مع المحصول الرئيس .. السعي وراء هذا الشريط كلّفه وقتاً و بعض جهد ..
و في النهاية .. إدراكه لصندوقه الحلم و تخليه عنه بعد قليل .. لندركَ أنّ جميع الأحلام قد تستفزّنا للسعي .. لكن ليست جميعها تستحقّ الحفاظ عليها حين الوصول .. فالبعضُ زيف لا أقلّ ..
-------

أتعلّم منك دون أن تدري .. و أنتَ لم تُكمل عامك الاوّل بعد .. قدميك الصغيرين لا يقويان بعدُ على حملك .. لكنّك دون المشي استطعت أن تصنع بخاطري بقعة ضوء ..
جعفر .. شكراً صغيري الحبيب ..

.. الوِلِف كتّال ..


الوِلِف كتّال
 تقول القصّة أنّ فتاةً دعت صديقتها لتناول الغداء معها في منزلها .. و أعدّت لها على المائدة سمكاً شهيّاً .. فأُعجِبت به الصديقة و طلبت منها أن تريها كيف أعدّته .. فبدأت الفتاة بالشرح موضحة أنّها تقوم بقطع رأس السمكة و ذيلها بدءاً .. ثمّ تلتها خطوات كانت معلومة مسبقاً بالنسبة للصديقة .. فتعجبّت الصديقة من الغرض المُراد بقطع الرأس و الذيل .. و سألت مستضيفتها عنه .. فأجابت أنّها لا تعلم .. فقط تعلّمت الأمر هكذا من والدتها .. و بسؤال الوالدة أجابت أنّها أيضاً لا تعلم .. فقط نُقِل إليها هكذا عن الجدّة .. و بسؤال الجدّة أجابت : ليس في الأمر سر .. فقط في ذلك الوقت كانت مقلاتنا صغيرة .. و لم تكن لتستوعب حجمة السمكة كاملاً .. فكُنّا نقوم بقطع الرأس و الذيل حتّى نتمكّن من الطهي على مقلاتنا الوحيدة !!

- لم يكن في الأمر سر - !!
القصّة أعلاه لتبسيط المعنى لا غير ..
كم من تصرفاتنا اليوميّة تأتي نقلاً عن سابقين بعد إكسابها قداسة "قطع الرأس و الذيل" ؟! .. دون محاولة لإدراك "اللا سر" وراء الأمر !

نحنُ .. أنا و أنت و هو و هي .. تشكّلت ملامح دواخلنا بناءً على انصهار أزلي لعدد لا متناهي من الصور و الأصوات و الأسماء .. قد لا تتذكر كيف اكتسبت نطقك لحرف السين بتلك الطريقة المميّزة .. و قد لا تعلم أنّ معلِّمك في الابتدائيّة كان ينطقها كذلك .. و يبقى التقليد أوّل وسائل اكتساب الانسان للمعرفة ..
لكن ثمّة فارق .. بين من تركوا بصماتهم علينا لا إراديّاً .. قابلة للتنقيح و النقد الذاتي .. و بين من اخترنا أن نحمل فكرهم و نعلِّيه على صوت عقولنا .. و نكسبه دون أن ندري قدسيّة و مرجعيّة لا تقبل التفاوض و لا الشك .. فلا يتساءل "لِمَ" إلا من رحم ربي ..!


" الوِلِف كتّال " ..

هكذا عبّرت عاميتنا الثريّة عن الحكاية .. نعم أتّفق .. "الوِلف كتّال" .. يقتل فينا الابتكارية و الثقة بالجيل .. يجعل الحداثة تبدو انسلاخاً عن "أصل" .. و يؤصِّل لما قد ينفع و قد يضرّ بذات الوقت دون انتقائية ..
"الولف" .. يوقف التاريخ لدى محطّة معيّنة .. فتسير بنا الدنيا و تظلّ تلك المحطّة تشدّنا بعنف لا تقبل السير معنا .. لأنّنا نحنُ لم ندعها للمسير .. بل رضخنا للوقوف لديها هناك .. و أصبحنا "نحجُّ" إليها كلّ حين .. نُكابر في الرد على من يقول أنّنا أسرى قديمٍ لا يتجدّد .. لا نكذب لكنّنا "نجمِّله" بمسميات "الأصالة" و

"الما عندو قديم ما عندو جديد"
 و "من نسى قديمو تاه " ..


من نسي قديمه لن يكون "التوهان" طريقه الحتمي .. لكنّ كلّ من أغفل "نفض" الغبار عن قديمه سيكون معرضاً حتما للاختناق و الفناء بأزمة فكريّة ..
و من قديم لديه قد يجد صعوبة في صنع جديد .. لكن من بقيَ لدى قديمه فسيكون جديده دوماً وجه آخر لذات العملة التي صكّها الأجداد ..
دون الختام :

قال تعالى :
{ وكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ } الزخرف 23-24


هذا ما عابه القرآن على الكفّار في الجاهلية .. قولهم " إنّا وجدنا آباءنا على أُمّة و إنّا على آثارهم مقتدون " ..
و نحنُ الآن نتشبّث بأُممٍ فانيات أو أشدّ ضلالاً ..


ختاماً :

يقولون : من لا يتجدّد يتبدّد ..
 فاختر كفّتك التي تريد ..

 

4‏/12‏/2010

.. عامنا الرابع جاء ..

.." عامنا الرابع جاء " ..







كان هذا عنوان نصِّ رتّبت أفكاره ذات عطلة و أعدتُ بعثرتها ذات انشغال ..

عامنا الرابع جاء ..

 بكثيرٍ من الفرحة و الفال كنتُ أكتبها ..
بكثيرٍ من الإرهاق تتبيّنُها عيناي الآن ..

مضى كثيرٌ من الوقت و لم أطالع المدونة أو أضيف إليها جديداً ..
كمثلِ الساقية الدوّارة تمضي بي الأيّام .. أكاد لا أتبيّن بين إشراقة الشمس و مغيبها شيئاً ..
أكتبُ الآن لأذكر نفسي أنّني لم أنسها ..

و لأذكره بها أيضاً ..

المدونة كانت حلبة سباق بيننا ..تعهّد كلّ طرف بأن يبقى متحمِّساً.. فعّالاً ..سبّاقاً ..
و بقانون الحلوى و العصا اتفقنا أن تكون العصا في يد الطرف الآخر ..
و حينما يبتعد أحدنا يلوِّح بها الآخر ..
و ابتعدنا كلانا .. و نسينا أنّ ثمّة عقوبة مفروضة على التقصير ..
و مثلما بقيت صفحتي دون تحديثات بقيت مدونته كذلك ..


 هذه المدونة التي لطالما اعتبرتُها " عاملاً حفّازاً " لتفاعلي مع مدونتي ..

" انت وين يا زول ؟  :) "

عالم التدوين .. لا زال يشدُّني و لا زلتُ أنوي إجادة الإبحار فيه ..

العام الدراسي الرابع لا زال يحملنا على كفّ القلق ملوِّحاً نحو هاوية تُوجِب التشبُّث خوف بلوغها ..

ابقوا جِواراً بالدعاء ..

لا أملك إضافة سوى أن أكتبها ككلّ حين :

" شكراً لطاحونة الحياة .. علّمتنا الصبر و غداً بإذنِ الله تمنحنا ثمرته .. اللهم تقبّل أعمالنا خالصةً لوجهك الكريم " ..

15‏/10‏/2010

.. النصف ..

كلمات : جبران خليل جبران ..


لا تجالس أنصاف العشاق..
ولا تصادق أنصاف الأصدقاء ..
لا تقرا لـ أنصاف الموهوبين..
ولا تعش نصف حياة ..
لا تمت نصف موت..
ولا تختبر نصف حل..
لا تقف في منتصف الحقيقة..
ولا تحلم نصف حلم ..
ولا تتعلق بنصف أمل ..


إذا صمتّ ، فـ اصمت حتى النهاية ..
وإذا تكلمت ، فتكلّم حتى النهاية ..
لا تصمت كي تتكلم ولا تتكلم كي تصمت ..
إذا رضيت ..فعبّر عن رضاك لا تصطنع نصف رضا ..
وإذا رفضت ..فعبّر عن رفضك ، لأن نصف الرفض قبول ..


النصف !!!!
هو حياة لم تعشها
 وهو كلمة لم تقلها
 وهو ابتسامة أجّلتها
 وهو حب لم تصل إليه
 وهو صداقة لم تعرفها ..


النصف !!!!
هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك
 وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك ..


النصف !!!!
هو أن تصل وأن لاتصل
 أن تعمل وأن لا تعمل
أن تغيب وأن تحضر ..


النصف !!!!
هو أنت ، عندما لا تكون أنت ..لأنك لم تعرف من أنت ..


النصف !!!
هو ألاّ تعرف من أنت ..


ومن تحب ليس نصفك الآخر
 هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه .. ♥


نصف شربة لن تروي ظمأك
 ونصف وجبة لن تشبع جوعك
 نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان
 ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة ..
النصف هو لحظة عجزك و أنت لست بعاجز ..
لأنك لست نصف إنسان !!
أنت إنسان..وجدت كي تعيش الحياة ..
وليس كي تعيش نصف حياة
--------



تلويحة ..


فارق بين " التعايش" و بين " الانهزام " ..
هناك حد من المرونة اللازمة للتعامل مع الحياة .. السلبية و الأنانية نهايتان تحدّان هذا الحدّ ..
عندما رضيتُ من حلمي بنصفه لم أنل سوى الفتات ..
 و أنصاف الحلول ليست دوماً رضا بالمقسوم ..
 ربّما أحياناً نقنع أنفسنا أنّه ليس في الإمكان أجمل ممّا كان لتضميد جرحٍ نازف أو ترميم كسر ..
 لكن دوماً هناك نصفٌ آخر ..قد نقنع بالحياة دونه إلى حين ، داخل مساحة المرونة الخاصة بنا ..
 لكن أن يصبح هذا "الحين" أبداً .. فنحنُ الآن نلج من باب السلبية و الانهزام ..
أنصاف الحلول مرحلة .. لكنّها ليست " الحل الجذري " ..


مخرج ..


يقولون .. صوِّب سهمك نحو المئذنة حتّى تنال النخلة ..

7‏/10‏/2010

.. حنين ..


*  إهداء :
إلى " نسمة " .. و هي تخبئ خلف اسمها المستعار اسماً أجمل ..
إلى " نسمة " .. الانسانة و الشاعرة .. الرفيقة و الصديقة ..

********




" أفارقك و الزمان أجمل ..
عشان تشعل ملامحي ضياك .. لما النجيمة تتحوّل ..
أفارقك و الزمان أجمل ..
عشان تفضل ملامحك فيّ زي ما كنتَ في الأوّل ..
أفارقك و الزمان أجمل .. "
دفء الكلمات ينساب داخلها .. ليس كما ينساب في كلّ مرّة .. هذه مرة تختلف .. لا زال اللحنّ رائعاً و أداء الفرقة
يزيده روعة .. لكنّ " عقد الجلاد " و أغنياتهم لم يكن ما يشغلها اليوم ..
دفء الكلمات يرسم بين عينيها صورة حبيبة إلى روحها .. صورة " نسمة " ..
لم تكن نسمة رفيقة اعتياديّة .. رغم أنّ كلاّ منهما لم تكن من أبجديات اليوم بالنسبة لرفيقتها .. لم تكونا تلتقيان يوميّاً .. ربّما لا تتعدّى لقاءاتها ب" نسمة " رفقة المعامل الأكاديميّة و انتماءهما لنفس المجموعة العلميّة .. و لقاءات خاطفة بين ممرّات الكليّة في بقيّة أيّام الأسبوع .. لكن ذلك كله لم يمنع " نسمة " من أن تكون رفيقة استثنائيّة .. و بكلّ المقاييس ..!
الرفيقة التي تجيد فنّ الحياة لن تكون اعتياديّة أبداً .. الرفيقة التي تجيد اقتناص الفرح .. تجيد الرقص على لحنٍ حزين .. تجيد غزل الكلمات وشاحاً يدثِّرها في شتاءات الروح .. لطالما كانت تردِّد هي عن حياة " نسمة " : ( هذه الفتاة لها روح شفيفة حدّ الخوف عليها ، من أراد أن يعرفها فليقرأ لها ) ..
كانت نسمة تكتب نفسها في كلِّ نصّ يمهره توقيعها .. كانت تكتب رجاءاتها .. خوفها .. نصوصها الدافئة لم تحمل يوماً سوى تفاصيل حياتها .. كانت أرقّ من أن تحتمل عناء الكتابة عن الآخرين .. و أكثر شفافية من أن تحسن إخفاء ذاتها خلف الكلمات

***

الأغنية الدافئة لا تزال تناوشها .. تلامس ذكرياتها من طرفٍ خفيّ .. تعيدها إلى " نسمة " و مجلسهما على عتبات السلم بعد معملٍ مسائي مرهق .. كانت هي تثرثر كثيراً .. عن ضعف قدرتها على الاحتمال .. عن إرهاقها .. عن نيّتها التوقُّف .. كانت تقول ذات ما تقوله منذ عامين هي عمرهما القصير في تلك المؤسّسة التعليمية العريقة التي جمعتهما ..
كانت " نسمة " تضحك و هي تستمع إليها ، فهي تعرف رفيقتها جيداً و تعلم مقدار شغفها بالتعب اللذيذ كما كانت تصفه على الدوام .. وتعلم أنّ كلماتها المبعثرة هنا و هناك في لحظاتِ إرهاقها هي كلمات ليلٍ زبديّة القوام .. دوماً ما تذيبها شمس النهار الطموح ..
تمضي الدقائق بهما .. بانتظار وصول بقيّة أفراد المجموعة ليغادروا معاً .. و صوت " نسمة " الدافئ الحنون يحملها بعيداً ..
" أفارقك .. و الزمان أجمل ..
عشان تشعل ملامحي ضياك ..
لما النجيمة تتحوّل .. "
و على بساطٍ من نسجٍ الأحرف .. كانت تطوف بعيداً .. إلى دنيا تخصّها وحدها .. دنيا محصورة ما بين قلبه و قلبها .. كان يؤلمها أن تفرِّق ما بين قلبيهما عندما تصل بها الأفكار إلى قولها " قلبي و قلبه " .. لكنّها كانت تعلم أنّها تكذب على ذاتها حين تزعم أنّهما أضحيا قلباً واحداً .. لم تكن تنكر أنّ نبضاتها محكومة به .. لكّن قلبيهما كانا دوماً " قلبين " .. و يبقي لها يقينها أنّ قلباً هناك بنبض باسمها .. و قلباً هنا ينتمي إليه .. و حلماً جميلاً بقلبٍ واحد و لو بعد حين ..
***

و في الدقائق التي كانت قلبها يعتنق فيها بعض المنطق و شيئاً من العقل .. كانت تتساءل : لماذا لا يمكننا ؟! و تلعن في سرّها منطق القلب الذي يحملها على اليأس .. وقد كانت تعرف يقيناً دون أن تجرؤ على الاعتراف .. أنّه يعتنق ذات المنطق بذات قوّة خوفها من حساباته ..
***

و هي لا تدري ما الذي دفعها يومها للتفكير في كلمات الأغنية .. ربّما كان ميلها الخفيّ لحسابات المنطق و قد زيّفتها ببعضِ الأحاجي العاطفيّة .. ربّما لم تعترف لذاتها أنّ نصّاً عاديّاً كان قادراً على أن يخترق جدار عاطفةٍ أضحت هشّة بتوالي مواسم الجفاف العاطفيّ .. جفاف لا يعني العدم .. فقط هي مساحات أصيبت بالبوار لأنّ المنطق لم يكن دوماً صالحاً للريّ ..  يومها  وجدت ذاتها تسائل طيفه و بقوّة أنكرَتها على قلبها الضعيف تجاهه .. كانت تسأله : أصحيح أنّ فراقاً في زمانٍ أجمل يمكنه أن يجعل من ذكرى القلبين ذكرى لقلبٍ واحد ؟! هل يمكن للقلبِ أن يُمنَح في البُعدِ ما لم يجده في القرب ؟! هل يمكننا ؟!
***

و هي لا تدري متى غادرها طيفه و جاءت لتسأله هو .. هي لا تدري أيضاً متى أجابها .. و بِمَ .. و كيف !! وربما لم تدر أنّ اختيار الفراق الأجمل قد يحدث في جدارِ الذكرى شرخاً أعمق .. و قد لا يخطر ببالها و لو بعد عمر أن تفكِّر أنّ حسن نيتها العاطفيّة قد أسئ فهمه و عُدّ هجراً غادراً ...

***
اليوم مضى على الفراق بعضاً من العمر .. لم تعد علاقتها بالمنطق هي ذاتها علاقة الخوف القديم .. ربّما تصالحت مع حساباته أخيراً .. لكنّها لم تستطع أن تجيب ذاتها على السؤال المحرّم : هل أحسنت تدثير ذكرياتها أم أنّها لم تزل مكشوفة العاطفة ؟!  لكنّ قلبها في موسم حنينها لم يستطع مقاومة الكتابة لقلبه .. كتبت إليه :  كنّا نحيا المواسم سويّاً .. و حمل العمر موسماً للحنين .. فهل لحنينك موسم مصادف ؟!

***

يستمرّ انسياب اللحن الدافئ..
" لأنّك عندي كلّ الخير ..
وجيهك فرحة الدنيا ..
 ملامحك زي شعاع النور .. "
و على جدار القلب ترتسم من جديد ملامح " نسمة " مصحوبة بابتسامة حنين مجهولة الوجهة ..!

ث.ص
2008

30‏/9‏/2010

كيف نضاعف حياتنا ؟!


عندما نعيش لذواتنا فحسب ، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة ، تبدأ من حيث بدأنا نعي ، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود ! …
أما عندما نعيش لغيرنا ، أي عندما نعيش لفكرة ، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة ، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية ، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض ! …
إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة ، نربحها حقيقة لا وهماً ، فتصور الحياة على هذا النحو ، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا . فليست الحياة بِعَدِّ السنين ، ولكنها بعدادِ المشاعر ، وما يسميه " الواقعيون " في هذه الحالة " وهماً " ! هو في " الواقع " حقيقة " ، أصحّ من كل حقائقهم ! … لأن الحياة ليست شيئاً آخر غير شعور الإنسان بالحياة . جَرِّدْ أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي ! ومتى أحس الإنسان شعوراً مضاعفاً بحياته ، فقد عاش حياة مضاعفة فعلاً …
يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال ! …
إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة ، حينما نعيش للآخرين ، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين ، نضاعف إحساسنا بحياتنا ، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية ! .


" سيد قطب "