23‏/4‏/2012

.. سباق التتابع .. احمل أمانتك و اركض ..



حدّثني عن "سباق التتابُع" ..


تلك الرياضة ذات القِيم و المعاني المُكثّفة ..
و السباق يقوم على تكامُلِ الجهود .. فالمُتسابق الأوّل يركُض حاملاً الشارة إلى نقطة مُعيّنة ليتسلّمها منه المتسابق الذي يليه و ينتهي دور حاملها الأوّل و يتولاّها الثاني إلى نقطة تواجد الثالث الذي يوصلها بدوره إلى الرابع و هكذا ..
و في المرحلة الأخيرة يقوم المتسابق الأخير بتسليم الشارة إلى خطّ النهاية ..
ليفوز الفريق مجتمعاً ..!!


فالجُهد هنا مُتشارك .. و لا يستطيع أحد أن ينفرد بتحقيق الفوز وحيداً .. لكن كلّ فرد يستطيع الفخر باتقانه لمهمته و التسليم في الزمان الأنسب و اتِّباعه للطريقة المُثلى ..
و سباقُ التتابُع ليس فقط "تنفيذ" تلك المراحل المتتالية .. لكنّه أيضاً اختبار "الثقة" في الآخر ..

ثمّة آخر ينتظرُك الآن في نقطةٍ ما لتضع جُهدَك بين يديه آمناً مُطمئنّاً أنّه أهلٌ لبذلِ جُهِد المحافظة و يهدُف _كما هو هدفك_ للفوز .. ليس لنفسه فقط .. لكن لفوزك أنتَ أيضاً و فوز الفريق ..
و ثمّة آخر ائتمنَك الآن على مسيرٍ قطعه .. و أضحيت مسئولاً ليس فقط عن نفسك .. لكن عن الأمانةِ أيضاً ..!


و نحنُ حين نُوضَع تحت ضغطٍ مُعيّن لا نتصرّف فقط كتلك الآلة التي تُنجِز المطلوب .. لكنّ جهازنا العصبيّ بأكمله يتفاعل معنا إيجاباً أو سلباً .. طِبقاً لقابليتنا للتعامُل مع الضغوط و الأزمات ..

تبرز المشكلة عادةً إذا كان الضغط واقعاً على فريقٍ كامل و ليس فرداً وحيداً .. حين تختلف الاستجابات و تتخبّط أحياناً !
فالذين هم أثر اهتماماً و انفعالاً بالهدف يُظهِرون قدراً أكبراً من السعي .. و آخرون يُعادِلون كفّة الميزانِ بتخاذُلِهِم أو اتِّكالِهم .. و بعضٌ يصرُّ على الاستئثارِ بالمسار لأنّه لا يثق في مقدرةِ الآخرين على إدارة الأمر بطريقةٍ سويّة ..!
و الفِرقُ الحكيمة تتوقّف لدى هذه الظاهرة لتبحث داخلها من جديد عن روح الفريق و مهارات العمل داخله ..
و لِهذا يُعجِبُني سباقُ التتابع و سياسة خطّ الانتاج !
الإخلاص لموقعك فقط .. و الثقة أنّ الآخرين الآن في مكانٍ ما في الكرة الأرضية يُخلِصون لمواقعهم أيضاً .. فليس من الحكمة في شيء أن أعمل و أشغلني بالتفكير في آخر ما إذا كان يؤدي دوره أم لا !!


و تظلّ كلمة السر أن : قبل البدء .. تأكّد أنّ فريقك بقدرِ الثقة .. و اجعلهم يثقون بإمكانية الاعتماد عليك ..!
____

مخرج :
كانت ترسِمُ بالكلماتِ حلمها .. و تكتبُ اليوم قصّة هدفٍ سيتحقّق لها بإذنِ الله عندما يُخبرها جدولها الزمني أنّ المسار الذي اختطته لنفسها قبل أعوامٍ عديدة قد اكتمل .. و برفقتها شركاء أحلامها .. رفاق سباق التتابع الذي اختارته .. صديقتي التي تحلم و رفاقها باليوم الذي  تملأ فيه أسماءهم قائمة المائة الأكثر تأثيراً في العالم ..قالت ذات يوم : "اعطونا مكاناً لنقِف و سنحرِّك الكرة الأرضيّة" .. و لما أيقنَت أنّ القدرة على التحريك تكون بدءاً من القدرة على إيجاد مكان و اتخاذه تمكُّناً و اقتداراً ..

تحلم و رفاقها بلحظة احتضان واقع الحلم .. و تكتُب في وصف تلك اللحظة :

" همست ابتسام في أذنها: أتذكرين قائمة المئة؟! أتذكرين بم أجبتني يوم أخبرتك أن علينا أن نملأ القائمة بأسمائنا؟! ابتسمت آيات وقالت: نعم أجبتك: فلنملأ القائمة بأسمائنا!! كم كنت أتمنى أن تكون سمية هنا لترى الكرة الأرضية تتحرك !! ابتسمت ابتسام وقالت :إنها على الجانب الآخر منها ..تمسك طرفاً آخر لنتساعد معاً في تحريكها!!

.. بقعة ضوء ..





     
ألهو أمامه بصندوقٍ أسودٍ صغير .. لا شيء فيه مميّز سوى أنّه صندوق أسود وُضِعَ على أرضيةٍ بيضاء .. بعد دقائق قليلة يظهر تزايد اهتماه بالصندوق .. يحبو محاولاً الِإمساك به .. أسحب طرف الصندوق رويداً .. يحبو مجدّداً .. يتواصل تراجعي و إقدامه مسافة ستة أمتار بالتقريب .. أنتظر ان يرهقه الحبو فيتراجع عن محاولته بلوغ الصندوق .. عبثاً يأتي انتظاري .. يواصل الحبو و لا يعبأ بتزايُدِ العقبات التي أضعها في طريقه .. أسحب الصندوق في مسارٍ منحنٍ فيتبعه حبواً و لا يتوقّف .. في ذات المسار يلمع بالقرب منه شريط ملوّن .. يمسك به لبرهة فأظنّه تخلّى عن صندوقي الأسود و ركن للشريط الملون .. لكنّه ما يلبث أن يتركه و يعاود حبوه خلف الصندوق الذي أمسك به .. أترك له الصندوق الأسود فيبتسم في جزل و يضمّه بين كفيه الصغيرين .. بعد قليل أجده قد غادر المكان حبواً نحو شيءٍ لا أعلمه تاركاً صندوقه الأسود خلفه ..
---------
عزيمة للوصول تكلّفه حبواً لأمتارٍ تبدو قلائل بالنسبة لنا .. لكنّها جهدٌ مقدّرٌ بالنسبة لممكناته .. الصندوق الأسود يبدو "هدفاً" لا يُقبَل التراجع عنه ..
المسار المنحني كما عقبات الحياة .. لا يهمّه .. و يمضي ..
الشريط الملوّن كما الطرق / الأحلام الجانبيّة التي تعترض طريقنا فتشوِّش رؤيتنا للهدف الأصل و تُهدِّد تمسُّكنا به بنظرية النباتات الطفيلية التي تتقاسم الضوء مع المحصول الرئيس .. السعي وراء هذا الشريط كلّفه وقتاً و بعض جهد ..
و في النهاية .. إدراكه لصندوقه الحلم و تخليه عنه بعد قليل .. لندركَ أنّ جميع الأحلام قد تستفزّنا للسعي .. لكن ليست جميعها تستحقّ الحفاظ عليها حين الوصول .. فالبعضُ زيف لا أقلّ ..
-------

أتعلّم منك دون أن تدري .. و أنتَ لم تُكمل عامك الاوّل بعد .. قدميك الصغيرين لا يقويان بعدُ على حملك .. لكنّك دون المشي استطعت أن تصنع بخاطري بقعة ضوء ..
جعفر .. شكراً صغيري الحبيب ..

.. الوِلِف كتّال ..


الوِلِف كتّال
 تقول القصّة أنّ فتاةً دعت صديقتها لتناول الغداء معها في منزلها .. و أعدّت لها على المائدة سمكاً شهيّاً .. فأُعجِبت به الصديقة و طلبت منها أن تريها كيف أعدّته .. فبدأت الفتاة بالشرح موضحة أنّها تقوم بقطع رأس السمكة و ذيلها بدءاً .. ثمّ تلتها خطوات كانت معلومة مسبقاً بالنسبة للصديقة .. فتعجبّت الصديقة من الغرض المُراد بقطع الرأس و الذيل .. و سألت مستضيفتها عنه .. فأجابت أنّها لا تعلم .. فقط تعلّمت الأمر هكذا من والدتها .. و بسؤال الوالدة أجابت أنّها أيضاً لا تعلم .. فقط نُقِل إليها هكذا عن الجدّة .. و بسؤال الجدّة أجابت : ليس في الأمر سر .. فقط في ذلك الوقت كانت مقلاتنا صغيرة .. و لم تكن لتستوعب حجمة السمكة كاملاً .. فكُنّا نقوم بقطع الرأس و الذيل حتّى نتمكّن من الطهي على مقلاتنا الوحيدة !!

- لم يكن في الأمر سر - !!
القصّة أعلاه لتبسيط المعنى لا غير ..
كم من تصرفاتنا اليوميّة تأتي نقلاً عن سابقين بعد إكسابها قداسة "قطع الرأس و الذيل" ؟! .. دون محاولة لإدراك "اللا سر" وراء الأمر !

نحنُ .. أنا و أنت و هو و هي .. تشكّلت ملامح دواخلنا بناءً على انصهار أزلي لعدد لا متناهي من الصور و الأصوات و الأسماء .. قد لا تتذكر كيف اكتسبت نطقك لحرف السين بتلك الطريقة المميّزة .. و قد لا تعلم أنّ معلِّمك في الابتدائيّة كان ينطقها كذلك .. و يبقى التقليد أوّل وسائل اكتساب الانسان للمعرفة ..
لكن ثمّة فارق .. بين من تركوا بصماتهم علينا لا إراديّاً .. قابلة للتنقيح و النقد الذاتي .. و بين من اخترنا أن نحمل فكرهم و نعلِّيه على صوت عقولنا .. و نكسبه دون أن ندري قدسيّة و مرجعيّة لا تقبل التفاوض و لا الشك .. فلا يتساءل "لِمَ" إلا من رحم ربي ..!


" الوِلِف كتّال " ..

هكذا عبّرت عاميتنا الثريّة عن الحكاية .. نعم أتّفق .. "الوِلف كتّال" .. يقتل فينا الابتكارية و الثقة بالجيل .. يجعل الحداثة تبدو انسلاخاً عن "أصل" .. و يؤصِّل لما قد ينفع و قد يضرّ بذات الوقت دون انتقائية ..
"الولف" .. يوقف التاريخ لدى محطّة معيّنة .. فتسير بنا الدنيا و تظلّ تلك المحطّة تشدّنا بعنف لا تقبل السير معنا .. لأنّنا نحنُ لم ندعها للمسير .. بل رضخنا للوقوف لديها هناك .. و أصبحنا "نحجُّ" إليها كلّ حين .. نُكابر في الرد على من يقول أنّنا أسرى قديمٍ لا يتجدّد .. لا نكذب لكنّنا "نجمِّله" بمسميات "الأصالة" و

"الما عندو قديم ما عندو جديد"
 و "من نسى قديمو تاه " ..


من نسي قديمه لن يكون "التوهان" طريقه الحتمي .. لكنّ كلّ من أغفل "نفض" الغبار عن قديمه سيكون معرضاً حتما للاختناق و الفناء بأزمة فكريّة ..
و من قديم لديه قد يجد صعوبة في صنع جديد .. لكن من بقيَ لدى قديمه فسيكون جديده دوماً وجه آخر لذات العملة التي صكّها الأجداد ..
دون الختام :

قال تعالى :
{ وكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ } الزخرف 23-24


هذا ما عابه القرآن على الكفّار في الجاهلية .. قولهم " إنّا وجدنا آباءنا على أُمّة و إنّا على آثارهم مقتدون " ..
و نحنُ الآن نتشبّث بأُممٍ فانيات أو أشدّ ضلالاً ..


ختاماً :

يقولون : من لا يتجدّد يتبدّد ..
 فاختر كفّتك التي تريد ..