7‏/10‏/2010

.. حنين ..


*  إهداء :
إلى " نسمة " .. و هي تخبئ خلف اسمها المستعار اسماً أجمل ..
إلى " نسمة " .. الانسانة و الشاعرة .. الرفيقة و الصديقة ..

********




" أفارقك و الزمان أجمل ..
عشان تشعل ملامحي ضياك .. لما النجيمة تتحوّل ..
أفارقك و الزمان أجمل ..
عشان تفضل ملامحك فيّ زي ما كنتَ في الأوّل ..
أفارقك و الزمان أجمل .. "
دفء الكلمات ينساب داخلها .. ليس كما ينساب في كلّ مرّة .. هذه مرة تختلف .. لا زال اللحنّ رائعاً و أداء الفرقة
يزيده روعة .. لكنّ " عقد الجلاد " و أغنياتهم لم يكن ما يشغلها اليوم ..
دفء الكلمات يرسم بين عينيها صورة حبيبة إلى روحها .. صورة " نسمة " ..
لم تكن نسمة رفيقة اعتياديّة .. رغم أنّ كلاّ منهما لم تكن من أبجديات اليوم بالنسبة لرفيقتها .. لم تكونا تلتقيان يوميّاً .. ربّما لا تتعدّى لقاءاتها ب" نسمة " رفقة المعامل الأكاديميّة و انتماءهما لنفس المجموعة العلميّة .. و لقاءات خاطفة بين ممرّات الكليّة في بقيّة أيّام الأسبوع .. لكن ذلك كله لم يمنع " نسمة " من أن تكون رفيقة استثنائيّة .. و بكلّ المقاييس ..!
الرفيقة التي تجيد فنّ الحياة لن تكون اعتياديّة أبداً .. الرفيقة التي تجيد اقتناص الفرح .. تجيد الرقص على لحنٍ حزين .. تجيد غزل الكلمات وشاحاً يدثِّرها في شتاءات الروح .. لطالما كانت تردِّد هي عن حياة " نسمة " : ( هذه الفتاة لها روح شفيفة حدّ الخوف عليها ، من أراد أن يعرفها فليقرأ لها ) ..
كانت نسمة تكتب نفسها في كلِّ نصّ يمهره توقيعها .. كانت تكتب رجاءاتها .. خوفها .. نصوصها الدافئة لم تحمل يوماً سوى تفاصيل حياتها .. كانت أرقّ من أن تحتمل عناء الكتابة عن الآخرين .. و أكثر شفافية من أن تحسن إخفاء ذاتها خلف الكلمات

***

الأغنية الدافئة لا تزال تناوشها .. تلامس ذكرياتها من طرفٍ خفيّ .. تعيدها إلى " نسمة " و مجلسهما على عتبات السلم بعد معملٍ مسائي مرهق .. كانت هي تثرثر كثيراً .. عن ضعف قدرتها على الاحتمال .. عن إرهاقها .. عن نيّتها التوقُّف .. كانت تقول ذات ما تقوله منذ عامين هي عمرهما القصير في تلك المؤسّسة التعليمية العريقة التي جمعتهما ..
كانت " نسمة " تضحك و هي تستمع إليها ، فهي تعرف رفيقتها جيداً و تعلم مقدار شغفها بالتعب اللذيذ كما كانت تصفه على الدوام .. وتعلم أنّ كلماتها المبعثرة هنا و هناك في لحظاتِ إرهاقها هي كلمات ليلٍ زبديّة القوام .. دوماً ما تذيبها شمس النهار الطموح ..
تمضي الدقائق بهما .. بانتظار وصول بقيّة أفراد المجموعة ليغادروا معاً .. و صوت " نسمة " الدافئ الحنون يحملها بعيداً ..
" أفارقك .. و الزمان أجمل ..
عشان تشعل ملامحي ضياك ..
لما النجيمة تتحوّل .. "
و على بساطٍ من نسجٍ الأحرف .. كانت تطوف بعيداً .. إلى دنيا تخصّها وحدها .. دنيا محصورة ما بين قلبه و قلبها .. كان يؤلمها أن تفرِّق ما بين قلبيهما عندما تصل بها الأفكار إلى قولها " قلبي و قلبه " .. لكنّها كانت تعلم أنّها تكذب على ذاتها حين تزعم أنّهما أضحيا قلباً واحداً .. لم تكن تنكر أنّ نبضاتها محكومة به .. لكّن قلبيهما كانا دوماً " قلبين " .. و يبقي لها يقينها أنّ قلباً هناك بنبض باسمها .. و قلباً هنا ينتمي إليه .. و حلماً جميلاً بقلبٍ واحد و لو بعد حين ..
***

و في الدقائق التي كانت قلبها يعتنق فيها بعض المنطق و شيئاً من العقل .. كانت تتساءل : لماذا لا يمكننا ؟! و تلعن في سرّها منطق القلب الذي يحملها على اليأس .. وقد كانت تعرف يقيناً دون أن تجرؤ على الاعتراف .. أنّه يعتنق ذات المنطق بذات قوّة خوفها من حساباته ..
***

و هي لا تدري ما الذي دفعها يومها للتفكير في كلمات الأغنية .. ربّما كان ميلها الخفيّ لحسابات المنطق و قد زيّفتها ببعضِ الأحاجي العاطفيّة .. ربّما لم تعترف لذاتها أنّ نصّاً عاديّاً كان قادراً على أن يخترق جدار عاطفةٍ أضحت هشّة بتوالي مواسم الجفاف العاطفيّ .. جفاف لا يعني العدم .. فقط هي مساحات أصيبت بالبوار لأنّ المنطق لم يكن دوماً صالحاً للريّ ..  يومها  وجدت ذاتها تسائل طيفه و بقوّة أنكرَتها على قلبها الضعيف تجاهه .. كانت تسأله : أصحيح أنّ فراقاً في زمانٍ أجمل يمكنه أن يجعل من ذكرى القلبين ذكرى لقلبٍ واحد ؟! هل يمكن للقلبِ أن يُمنَح في البُعدِ ما لم يجده في القرب ؟! هل يمكننا ؟!
***

و هي لا تدري متى غادرها طيفه و جاءت لتسأله هو .. هي لا تدري أيضاً متى أجابها .. و بِمَ .. و كيف !! وربما لم تدر أنّ اختيار الفراق الأجمل قد يحدث في جدارِ الذكرى شرخاً أعمق .. و قد لا يخطر ببالها و لو بعد عمر أن تفكِّر أنّ حسن نيتها العاطفيّة قد أسئ فهمه و عُدّ هجراً غادراً ...

***
اليوم مضى على الفراق بعضاً من العمر .. لم تعد علاقتها بالمنطق هي ذاتها علاقة الخوف القديم .. ربّما تصالحت مع حساباته أخيراً .. لكنّها لم تستطع أن تجيب ذاتها على السؤال المحرّم : هل أحسنت تدثير ذكرياتها أم أنّها لم تزل مكشوفة العاطفة ؟!  لكنّ قلبها في موسم حنينها لم يستطع مقاومة الكتابة لقلبه .. كتبت إليه :  كنّا نحيا المواسم سويّاً .. و حمل العمر موسماً للحنين .. فهل لحنينك موسم مصادف ؟!

***

يستمرّ انسياب اللحن الدافئ..
" لأنّك عندي كلّ الخير ..
وجيهك فرحة الدنيا ..
 ملامحك زي شعاع النور .. "
و على جدار القلب ترتسم من جديد ملامح " نسمة " مصحوبة بابتسامة حنين مجهولة الوجهة ..!

ث.ص
2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق