‏إظهار الرسائل ذات التسميات أفراح الروح ... إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أفراح الروح ... إظهار كافة الرسائل

30‏/9‏/2010

كيف نضاعف حياتنا ؟!


عندما نعيش لذواتنا فحسب ، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة ، تبدأ من حيث بدأنا نعي ، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود ! …
أما عندما نعيش لغيرنا ، أي عندما نعيش لفكرة ، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة ، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية ، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض ! …
إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة ، نربحها حقيقة لا وهماً ، فتصور الحياة على هذا النحو ، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا . فليست الحياة بِعَدِّ السنين ، ولكنها بعدادِ المشاعر ، وما يسميه " الواقعيون " في هذه الحالة " وهماً " ! هو في " الواقع " حقيقة " ، أصحّ من كل حقائقهم ! … لأن الحياة ليست شيئاً آخر غير شعور الإنسان بالحياة . جَرِّدْ أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي ! ومتى أحس الإنسان شعوراً مضاعفاً بحياته ، فقد عاش حياة مضاعفة فعلاً …
يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال ! …
إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة ، حينما نعيش للآخرين ، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين ، نضاعف إحساسنا بحياتنا ، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية ! .


" سيد قطب "


22‏/9‏/2010

.. أفراح الروح ..



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

بمشيئة الله .. تحت هذا العنوان " أفراح الروح " سوف أقوم كلّ أسبوع بنشر خاطرة جديدة من الكتاب الرائع " أفراح الروح" للمفكِّر الراحل "سيِّد قطب " ..
من هذا الكتاب استمددتُ اغلب ما أؤمن به في الحياة .. و أتمنّى أن يطبع ذات الأثر في قلوبكم جميعاً ..







-------------------


(1) حول الموت والحياة


أختي الحبيبة … ([1]) هذه الخواطر مهداة إليك …

إن فكرة الموت ما تزال تخايل لك ، فتتصورينه في كل مكان ، ووراء كل شيء ، وتحسبينه قوة طاغية ، تُظِلُّ الحياة والأحياء ، وتَرَيْنَ الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة .
إنني أنظر اللحظة فلا أراه إلا قوة ضئيلة حسيرة ، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة ، وما يكاد يصنع شيئاً إلا أن يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! …
مَدُّ الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي ! … كل شيء إلى نماء وتدفق وازدهار … الأمهات تحمل وتضع ، الناس والحيوان سواء . الطيور والأسماك والحشرات تدفع بالبيض المتفتح عن أحياء وحياة … الأرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار … السماء تتدفق بالمطر ، والبحار تعج بالأمواج … كل شيء ينمو على هذه الأرض ويزداد ! .
بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة ويمضي ، أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! … والحياة ماضية في طريقها ، حية متدفقة فوارة ، لا تكاد تحس بالموت أو تراه !…
لقد تصرخ مرة من الألم ، حين ينهش الموت من جسمها نهشة ، ولكن الجرح سرعان ما يندمل ، وصرخة الألم سرعان ما تستحيل صيحة مراح … ويندفع الناس والحيوان ، والطير والأسماك ، والدود والحشرات ، والعشب والأشجار ، تغمر وجه الأرض بالحياة والأحياء ! … والمـوت قابع هنالك ، ينهش نهشة ويمضي … أو يتسقّط الفتات الساقط مـن مائدة الحياة ليقتات !! .

الشمس تطلع ، والشمس تغرب ، والأرض من حولها تدور ، والحياة تنبثق من هنا ومن هناك … كل شيء إلى نماء … نماء في العدد والنوع ، نماء في الكم والكيف … لو كان الموت يصنع شيئاً لوقف مد الحياة ! … ولكنه قوة ضئيلة حسيرة ، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة …! .
من قوة الله الحي ... : تنبثق الحياة وتنداح !! . ([2])



([1]) لعل هذه الرسالة إلى أخته " حميدة " وليست " أمينة " كما ذهب بعضهم ، لأن " حميدة " كانت دائمة التفكير في الموت ، أكثر من باقي إخوتها . كما ذكر سيد قطب عنها في كتاب " الأطياف الأربعة " .
([2]) مقال " في الأدب والحياة " مجلة الكتاب . الجزء الرابع . أبريل 1951 ص : 391 – 192 .